فصل: تفسير الآية رقم (151):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (151):

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}
{الراحمين}
(151)- فَلَمَّا تَحَقَّقَ مُوسَى مِنْ بَرَاءَةِ هارُونَ، وَأَنَّهُ قَامَ بِوَاجِبِهِ كَامِلاً نَحْوَ قَوْمِهِ، دَعَا رَبَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ، فِيهما غِلْظَةٌ وَجَفَاءٌ، بِحَقِّ أَخيهِ، وَأَنْ يَغْفِرَ لأَخِيهِ مَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَّرَ فِيهِ مِنْ نَهيِ القَوْمِ عَنْ فِعْلِ مَا فَعَلُوهُ، مِنْ عِبَادَةِ العِجْلِ، وَأَنْ يُدْخِلهُمَا فِي رَحْمَتِهِ التِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ، وَأَنْ يَغْمُرَهُما بِجُودِهِ وَفَضْلِهِ، فَهُوَ تَعَالَى أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ جَمِيعاً بِعِبَادِهِ.

.تفسير الآية رقم (152):

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}
{الحياة}
(152)- إِنَّ الذِينَ اسْتَمَرُوا عَلَى عِبَادَةِ العِجْلِ، كَالسَّامِريِّ وَأَشْيَاعِهِ، سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ عَظِيمٌ مِنْ رَبِّهِمْ في الدَّارِ الآخِرَةِ، وَمَهَانَةٌ شَدِيدَةٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا، وَمِثْلُ ذلِكَ الجَزَاءِ الشَّدِيدِ يَجْزِي بِهِ اللهُ كُلَّ مَنِ اخْتَلَقَ الكَذِبَ عَلَيْهِ وَعَبَدَ غَيْرَهُ.
افْتَرَى- اخْتَلَقَ الكَذِبَ.

.تفسير الآية رقم (153):

{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}
{آمنوا}
(153)- وَالَّذِينَ يَفْعَلُونَ فِعْلاً سَيِّئاً، ثُمَّ يَتُوبُونَ بَعْدَ ذلِكَ وَيَسْتَغْفِرُونَ رَبَّهُمْ، وَيُخْلِصُونَ لَهُ العِبَادَةَ وَالإيمَانَ، فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لَهُمْ ذلِكَ الفِعْلَ السَّيِّئَ، لأَنَّهُ غُفُورٌ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ.

.تفسير الآية رقم (154):

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}
(154)- وَلَمَّا سَكَنَ غَضَبُ مُوسَى باعتِذارِ أخيهِ إِليهِ، وَبَعْدَ أَنْ لَجأَ إِلَى اللهِ بالدُّعَاءِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَلأخِيهِ خَطَايَاهُمَا، عَادَ إِلى الألوَاحِ فَأَخَذَهَا، بَعْدَ أَنْ كَانَ أَلْقَاهَا مِنْ شِدَّةِ الغَضَبِ، فَوَجَدَ فِيهَا أَحْكَاماً وأوامِرَ وَنَوَاهِيَ، إِذا أَخَذَ بِهَا الذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، رَحِمَهُمُ اللهُ. (أَوْ أَنَّها هُدًى وَرَحْمَةٌ لِمَنْ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ).

.تفسير الآية رقم (155):

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}
{لِّمِيقَاتِنَا} {وَإِيَّايَ} {الغافرين}
(155)- أَمَرَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى، عَلَيهِ السَّلامُ، بِأَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَعْتَذِرُونَ إِليهِ عَنْ عِبَادَةِ العِجْلِ، وَوَاعَدَهُمْ مَوْعِداً. فَاخْتَارَ مُوسَى سَبْعِينَ رَجُلاً مِمَّنْ لَمْ يَعْبُدُوا العِجْلَ، وَذَهَبَ مَعَهُمْ. فَلَمَّا أَتَوُا المَكَانَ المَوْعُودَ، قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى: يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ عِيَاناً وَجَهْرَةً، فَأَنْتَ كَلَّمَتُهُ فَاجْعَلْنَا نَرَاهُ. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فَمَاتُوا، كَمَا جَاءَ فِي آيةِ أُخْرَى، فَقَامَ مُوسَى يَبْكِي وَيَدْعُو اللهَ تَعَالى وَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إِلى المِيقَاتِ وَأَهْلَكْتَنِي مَعَهُمْ، لِيَرَى ذلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَلا يَتَّهِمُونِي بِقَتْلِهِمْ، فَلا تُهْلِكُنَا يَا رَبِّ بِمَا فَعَلَهُ الجُهَّالُ مِنَّا، فَمَا مِحْنَةُ عِبَادَةِ العِجْلِ إِلا ابْتِلاءٌ مِنْكَ وَفِتْنَةٌ أَضْلَلْتَ بِهَا مَنْ شِئْتَ إِضْلالَهُ مِمَّنْ سَلَكُوا سَبِيلَ الغوَايةِ، وَهَدَيْتَ بِهَا مَنْ شِئْتَ هِدَايَتَهُ، وَلا هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، فَاغْفِرْ لَنَا وَلا تُؤَاخِذْنَا بِذُنُوبِنَا، وَارْحَمْنَا لِكَيلا نَقَعَ فِي مِثْلِ ذلِكَ فِي المُسْتَقْبَلِ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ الغَافِرِينَ.

.تفسير الآية رقم (156):

{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}
{الزكاة} {بِآيَاتِنَا}
(156)- وَأَثْبِتْ لَنَا، بِرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ {واكتب لَنَا} حَيَاةً طَيِّبَةً فِي هذِهِ الدُّنيا، مِنْ عَافِيةٍ وَبَسْطَةٍ في الرِّزْقِ، وَتَوْفِيقٍ لِطَاعَةِ، وَمَثُوبَةٍ حَسَنَةٍ فِي الآخِرَةِ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، وَنَيْلِ رِضْوَانِكَ، إِنَّنَا تُبْنَا إِلَيْكَ {هُدْنَآ إِلَيْكَ} مِمَّا فَرَطَ مِنْ سُفَهَائِنَا مِنْ عِبَادَةِ العِجْلِ، وَمِنْ تَقْصِيرِ العُقَلاءِ مِنّا فِي نَهْيِهِمْ وَالإِنْكَارِ عَلَيهِمْ.
وَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى دُعَاءِ مُوسَى قَائِلاً: لَقَدْ أَوْجَبْتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابِي خَاصّاً أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ مِنَ الكُفَّارِ وَالعُصَاةِ، الذِينَ لَمْ يَتُوبُوا، أَمَّا رَحْمَتِي فَقَدْ وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ، وَسَأُثْبِتُ رَحْمَتِي بِمَشِيئَتِي لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكُفْرَ وَالمَعَاصِيَ، وَيُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَيُؤْتُونَ الصَّدَقَاتِ التِي تَتَزَكَّى بِهَا نُفُوسُهُمْ، وَلِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَيُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِ آيَاتِي الدَّالَّةِ عَلَى الوحْدَانِيَّةِ، وَيُصَدِّقُونَ رُسُلِي، وَمَا جَاؤُوهُمْ بِهِ.

.تفسير الآية رقم (157):

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}
{التوراة} {وَيَنْهَاهُمْ} {الطيبات} {الخبآئث} {والأغلال} {آمَنُواْ} {أولئك}
(157)- وَيُتَابِعُ اللهُ تَعَالَى وَصْفَ الذِينَ يَشْمَلُهُمْ بِرَحْمَتِهِ الوَاسِعَةِ فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ الذِينَ يَتَّبِعُونَ مُحَمَّداً النَّبيِّ الأُمِّيَّ، الذِي لا يَكْتُبُ وَلا يَقْرَأُ، وَقَدْ جَاءَ وَصْفُهُ وَالبِشَارَةُ بِهِ فِي التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ بِفِعْلِ الخَيْرَاتِ، وَبِالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، وَيَضَعُ عَنْهُمُ التَّكَالِيفَ الشَّاقَّةَ، كَاشْتِرَاطِ قَتْلِ النَّفْسِ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ، وَالقِصَاصِ فِي القَتْلِ العَمْدِ أَوِ الخَطَإِ، مِنْ غَيْرَ شَرْعٍ لِلدِّيَةِ، وَقَطْعِ الأَعْضَاءِ الخَاطِئَةِ، وَقَطْعِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ، وَتَحْرِيمِ السَّبْتِ... فَقَدْ جَاءَ مُحَمَّدٌ بِمَا هُوَ يُسْرٌ وِسَمَاحَةٌ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم يُوصِي أَمِيرِينِ أَرْسَلَهُمَا فِي بَعْثَينِ إِلى اليَمَنِ: «بَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلا تَخْتَلِفَا».
وَوَسَّعَ اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أُمُورَهَا، وَسَهَّلَهَا لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَالذِينَ آمَنُوا بِالرَّسُولِ النَّبِيِّ الأُميِّ، حِينَ بُعِثَ، مِنْ قَومِ مُوسَى وَعِيسَى، وَمِنْ كُلِّ أُمَّةٍ، وَعَزَّرُوهُ بِأَنْ مَنَعُوهُ وَحَمَوْهُ مِنْ كُلِّ مَنْ يُعَادِيهِ، مَعَ التَّعْظِيمِ وَالإِجْلالِ، وَنَصَرُوهُ بِاللِّسَانِ وَاليَدِ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الأَعْظَمَ الذِي أُنْزِلَ مَعَ رِسَالَتِهِ، وَهُوَ القُرآنُ.. فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ، الفَائِزُونَ بالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ.

.تفسير الآية رقم (158):

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}
{ياأيها} {السماوات} {فَآمِنُواْ} {وَكَلِمَاتِهِ}
(158)- قُلْ يَا مُحَمَّدُ للنَّاسِ جَمِيعاً: إِنِّي رَسُولُ اللهِ تَعَالَى إِلَى جَمِيعِ البَشَرِ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى هو الذِي أَرْسَلَنِي، وَهُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَالِكُهُمَا، وَهُوَ مُدَبِّرُهُمَا وَمُصَرِّفُهُما حَسْبَ مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ، فَهُوَ المَعْبُودُ وَحْدَهُ لا إِلهَ إلا هُوَ، وَهُوَ الذِي يَخْلُقُ الكَائِنَاتِ، وَهُوَ الذِي يَقْضِي بِفَنَائِهَا. فَآمِنُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ جَمِيعاً بِاللهِ الذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الذِي أَرْسَلَهُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وَهَذا الرَّسُولُ يُؤْمِنُ بِتَوْحِيدِ اللهِ، وَيُؤْمِنُ بِكَلِمَاتِهِ التِي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ لِهِدَايَةِ خَلْقِهِ.
وَاتَّبِعُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ طَرِيقَ الرَّسُولِ الأُمِّيِّ، وَاقْتَفُوا أَثَرَهُ، فِي كُلِّ مَا يَأْتِي وَمَا يَذَرُ، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ إلَى مَا فِيهِ سَعَادَتُكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.

.تفسير الآية رقم (159):

{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)}
(159)- وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى جَمَاعَةٌ كَثِيرةُ العَدَدِ (أُمَّةٌ) يَهْدُونَ النَّاسَ بِالحَقِّ الذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَيَعْدِلُونَ فِي تَنْفِيذِهِ إِذَا حَكَمُوا بَيْنَ النَّاسِ، فَلا يَتَّبِعُونَ هُوًى، وَلا يَأْكُلُونَ سُحْتاً وَلا مَالاً حَرَاماً.

.تفسير الآية رقم (160):

{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}
{وَقَطَّعْنَاهُمُ} {استسقاه} {الغمام} {طَيِّبَاتِ} {رَزَقْنَاكُمْ}
(160)- وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى بَنِي إسْرَائِيلَ اثْنَتِي عَشْرَةَ جَمَاعَةً، إذْ جَعَلَ نَسْلَ كُلِّ وَاحِدِ مِنْ أبْنَاءِ يَعْقُوبَ الاثْنَي عَشَرَ أُمَّةً وَجَمَاعَةً. وَحِينَما عَطِشَ بَنُوا إِسْرَائِيل فِي صَحراءِ سِينَاءَ، اسْتَسْقَى لَهُمْ مُوسَى، فَأوْحَى اللهُ إليهِ: أنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ حَجَراً مِنْ أحْجَارِ الصَّحْراءِ، فَضَرَبَهُ فَانْبَجَسَتِ المِيَاهُ مِنْهُ، فِي اثْنَتَي عَشْرَةَ عَيْناً، لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ عَيْنٌ يَشْرَبُ مِنْهَا، مَنْعاً لِلْخِصَامِ والتَّنَافُسِ وَالتَّزَاحُمِ عَلَى المَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَسَخَّرَ اللهُ لَهُمْ الغَمَامَ، فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ، لِيَقِيَهُمْ حَرَّ الشَّمْسِ، وَأَرْسَلَ إليهِم المَنَّ وَالسَّلْوَى، فَأخَذُوا يَأكُلُونَ مِنْ طِيِّبَاتِ رِزقِ اللهِ، وَيَشْرَبُونَ مِنَ المَاءِ، فَكَفَرُوا بِهذِهِ النِّعَمِ، وَخَالَفُوا أمرَ اللهِ، فَأَلَحَقُوا الضَّرَرَ بِأنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً.
انْبَجَسَتْ- نَبَعَتْ وَتَفَجَّرَتْ.
المَنُّ- مَادَّةٌ حُلْوَةٌ تَقَعُ عَلَى الأشْجَارِ.
السَّلْوَى- طَائِرٌ يُشْبِهُ السُّمَانَي لَحْمُهُ لَذِيذُ الطَّعْمِ.
السِّبْطُ- وَلَدُ الوَلَدِ وَأطْلِقَتْ كَلِمَةُ أسْبَاطٍ عَلَى أَحْفَادِ يَعْقُوبَ، عَلَيهِ السَّلامُ.

.تفسير الآية رقم (161):

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)}
{خطيائاتكم}
(161)- وَبَعْدَ أنْ أَسْكَنَهُمْ رَبُّهُمُ البَلَدَ الذِي دَخَلُوهُ بَعْدَ أَنِ انْتَصَرُوا عَلَى العَمَالِيقَ، أَمَرَهُمْ رَبُّهُمْ بِشُكْرِهِ، وَبِدُخُولِ البَابِ (أَيْ بَابِ البَلَدِ) سُجَّداً شُكْراً للهِ، وَبِأَنْ يَقُولُوا: حِطَّةٌ- (أَيْ اللَّهُمَّ حُطَّ عَنَّا خَطَايَانَا)- لِيَسْتَجِيبَ اللهُ إلى دُعَائِهِمْ، فَيَغْفِرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَيَزِيدَ الحَسَنَاتِ لِمُحْسِنِهِمْ.

.تفسير الآية رقم (162):

{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}
(162)- فَلَمْ يَدْخُلِ الذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ بَابَ البَلَدِ سُجَّداً خَاشِعِينَ كَمَا أَمَرَهُمْ رَبُّهُمْ، بَلْ دَخَلُوهُ زَاحِفِينَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ (أَيْ أَدْبَارِهِمْ)، وَبَدَّلُوا قَوْلَ اللهِ، فَلَمْ يَقُولُوا (حِطَّةٌ) وَإِنَّمَا قَالُوا سَاخِرِينَ حِنْطَةٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى الذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ بَأْسَهُ وَعَذَابَهُ بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ اللهِ.

.تفسير الآية رقم (163):

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
{وَسْئَلْهُمْ}
(163)- اسْأَلْ يَا مُحَمَّدُ، هَؤُلاءِ اليَهُودَ الذِينَ بِحَضْرَتِكَ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِهِم الذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ رَبِّهِمْ، فَأصَابَهُمْ بِنَقْمَتِهِ عَلَى اعْتِدَائِهِمْ وَاحْتِيَالِهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ أمْرَ رَبِّهِمْ وَحَذِّرْهُمْ مِنْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأَصْحَابِهِمْ، أَصْحَابِ القَرِيَةِ التِي كَانَتْ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ (وَهِيَ أَيْلَةُ أَوْ العَقَبَةُ اليَوْمَ)، فَقَدْ كَانَ اليَهُودُ فِيهَا يَعْتَدُونَ عَلَى حُرْمَةِ السَّبْتِ، وَيَتَجَاوُزُونَ حُكْمَ اللهِ الذِي يُحِرِّمُ عَلَيهِم الصَّيْدَ فِيهِ، فَقَدْ كَانَتِ الأَسْمَاكُ (حِيتَانُهُمْ) تَأتِيِهِمْ ظَاهِرَةً عَلَى سَطْحِ المَاءِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الذِي كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ، فَلا يَصِيدُونَ فِيهِ، أَمَّا فِي اليَوْمِ الذِي لا يَسْبِتُونَ، وَلا يُعَظِّمُونَ حُرْمَةَ السَّبْتِ، فَكَانَتِ الحِيتَانُ لا تَظْهَرُ لَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ اخْتِبَاراً مِنَ اللهِ لَهُمْ، فَكَانَ اليَهُودُ المُعْتَدُونَ يَنْصِبُونَ الشِّبَاكَ لِلأَسْمَاكِ لِتَقَعَ فِيهَا، وَيَتْرُكُونَهَا فِي الشِّبَاكِ حَتَّى يَنْتَهِيَ السَّبْتُ فَيَأخُذُوهَا، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ انْتِهَاكاً لِمَحَارِمِ اللهِ التِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ، وَمِنْهَا تَعْظِيمُ حُرْمَةِ السَّبْتِ. فَكَانَ تَصَرُّفُهُمْ هذا احْتِيالاً يُخْفِي نِيَّتَهُمْ فِي الاعْتِدَاءِ عَلَى السَّبْتِ، وَفِسْقاً عَنْ طَاعَةِ اللهِ.